أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب في مؤتمر صحفي مقتل زعيم تنظيم داعش الإرهابي أبو بكر البغدادي، وكما يمكن أن نتوقع فقد حرص الرئيس الأمريكي على الجانب الاستعراضي من هذه الرواية، بحيث يعرض لنا المشهد الأخير بكل ما فيه من إثارة وتشويق، كيف تم رصد الهدف، ومن ثم مراقبته، ومن ثم بدء العملية تحت مراقبة ومتابعة مباشرة من قبل الرئيس ومعاونيه في المكتب البيضاوي. ترمب تحدث باستفاضة عن دخول البغدادي في نفق مغلق ومن ثم تفجير نفسه، لكي تنتهي العملية دون أن يسقط أي من الجنود الأمريكيين ومع سقوط عدد من أفراد عائلة البغدادي مما يدل على احتماء الرجل بعائلته الصغيرة وغياب الشجاعة في لحظة كانت هي الامتحان الحقيقي لصلابة الرجل، ولكن بحسب الرئيس الأمريكي فقد فشل البغدادي بهذا الامتحان. هذا الشكل الذي من خلاله تم إخراج مقتل البغدادي بدا منطقيا ومنسجما مع السياق العام من حيث كونه يتفق مع شخصية الرئيس الأمريكي الذي يحلو له منذ عقود إثارة اهتمام وسائل الإعلام والإمساك بتلابيب التأثير عليها. أما المسألة الثانية والتي نعتقد أنها كانت حاضرة في عقل وتفكير الرئيس وهي الحملة الانتخابية والتي نعتقد أن هذا الإعلان كان البداية الحقيقية لها. ما إن أنهى ترمب كلماته حتى تعالت الأصوات التي تريد أن تصيب سهما من الغنيمة السياسية والإعلامية، فأعلنت قوات سوريا الديموقراطية بأنها كانت جزءا أساسيا من العملية، وأن الاستخبارات العسكرية التابعة لها هي التي أمنت المعلومات الاستخباراتية التي أدت في نهاية المطاف إلى قتل البغدادي. قسد كانت رسالتها واضحة بأنها لا تزال طرفا يمكن الاعتماد عليه في محاربة الإرهاب وهي تمني النفس التقليل من الخسائر التي لحقت بها منذ الانسحاب الأمريكي من الحدود السورية ـ التركية والعملية العسكرية التركية. أما عدو قسد الألد وهو الجانب التركي فلم ينتظر طويلا حتى أعلن أن عملية الكوماندوز الأمريكية كانت بالتعاون والتنسيق مع الجانب التركي، وأن تركيا أيضا زودت الولايات المتحدة بالمعلومات الاستخباراتية. تركيا تريد تبييض صفحتها بعد السوء الذي لحق صورتها على مستوى العالم من جهة، ومن جهة أخرى محاولة الإثبات أنها جادة في الحرب ضد الإرهاب بعد الاتهامات المتوالية خلال سنوات الثورة السورية بأنها سهلت مرور العناصر والأموال والسلاح إلى التنظيمات الراديكالية وعلى رأسها تنظيم داعش وكذلك تنظيم جبهة النصرة. وأخيرا جاءت الحكومة العراقية التي أرادت أن يكون لها نصيبها مما يمكن وصفه بالنصر الإعلامي عندما أعلنت بأنها جزء من العملية وأنها تعاونت مع الولايات المتحدة الأمريكية. وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار شكر الرئيس الأمريكي للروس، لا بل حتى النظام السوري حول هذه العملية يمكن أن نقول بأن للنصر ألف أب أما الهزيمة فهي يتيمة، وخصوصا هذا النصر السهل الذي لا يكلف سوى تصريحات هنا أو إعلانات هناك.
لكن السؤال الذي يهم شعوب المنطقة هل انتهى تنظيم داعش أم أن هذا الكابوس سيبقى له آثار وذيول. من حيث المبدأ فإن البنية الأيديولوجية بحاجة إلى الكثير من العمل لأنها تبقى حتى بعد القضاء على الجسم الصلب وهذا ما فطنت إليه المملكة العربية السعودية، لذلك أنشأت مركز اعتدال لمحاربة الأفكار وتبيان مدى تفاهتها وبطلانها. وبالرغم من أن التحالف الدولي استطاع القضاء على سيطرة داعش على مساحات شاسعة من كل من سوريا والعراق إلا أنها لا تزال تحتفظ بخلايا نائمة وبمجموعات صغيرة هي بالفعل تمثل تهديدا خطيرا. لكن هذا التنظيم حقق أهدافا إستراتيجية تلاقت عليها كثير من الأطراف، هو استطاع القضاء على الثورة السورية وتحويلها إلى صراع مسلح وإلى حرب دولية ضد الإرهاب وبالفعل انتهت الثورة قبل أن ينتهي التنظيم، كذلك حقق لإيران أهدافا لطالما حلمت بها فقد مكنها من زرع مليشيات في كل من سوريا والعراق بحجة محاربة الإرهاب وهذه المليشيات هي يد إيران الضاربة في كلتا الدولتين. بالنسبة للنظام السوري فقد تراجعت الثورة واضمحلت بسبب ضبابية المشهد الذي أوجده داعش والنصرة والآن النظام يحكم سيطرته على معظم البلاد والمعارضة السورية بشقيها السياسي والعسكري تنتظر رصاصة الرحمة. أما روسيا فقد اعتمدت على الحرب ضد الإرهاب لإقناع المجتمع الدولي بضرورة بقاء الأسد وهذا ما نجحت به فعلا ولم يعد أي طرف يدعو إلى رحيل الأسد. تركيا استطاعت عبر الحرب ضد الإرهاب القضاء على أي كيان كردي ومد نفوذها داخل الأراضي السورية والحصول على حصتها من الكعكة. الخاسر الوحيد كان الشعب في كل من سوريا والعراق والذي دفع الثمن مرتين الأولى عندما تعرض لتطرف التنظيم وإرهابه وقسوته وعنفه، والثانية عندما دفع ثمن الحرب ضد الإرهاب عندما تدمرت المدن والقرى كخسائر جانبية للحرب حتى وإن كانت تكلفتها باهظة من دماء ودموع هذا الشعب المكلوم.
حالة السيولة التي تعيشها المنطقة وعدم إيجاد حلول حقيقية للأزمات والاعتماد على الحل الأمني والعسكري دون سواه، كل ذلك يجعل مقتل البغدادي نهاية صفحة وبداية أخرى ربما تكون أكثر عنفا، شاهدنا قبلا مقتل أسامة بن لادن ولم يتغير شيء ولا نعتقد أن مقتل البغدادي سوف يغير، إن لم يتم وضع إستراتيجية دولية متكاملة تبدأ أولا بحل الأزمات التي تمثل الأرض الخصبة لنشوء التطرف والإرهاب فلا نتوقع نهاية لظاهرة الإرهاب والتطرف.
* باحث في الفلسفة السياسية، خبير في قضايا الشرق الأوسط
ramialkhalife@
لكن السؤال الذي يهم شعوب المنطقة هل انتهى تنظيم داعش أم أن هذا الكابوس سيبقى له آثار وذيول. من حيث المبدأ فإن البنية الأيديولوجية بحاجة إلى الكثير من العمل لأنها تبقى حتى بعد القضاء على الجسم الصلب وهذا ما فطنت إليه المملكة العربية السعودية، لذلك أنشأت مركز اعتدال لمحاربة الأفكار وتبيان مدى تفاهتها وبطلانها. وبالرغم من أن التحالف الدولي استطاع القضاء على سيطرة داعش على مساحات شاسعة من كل من سوريا والعراق إلا أنها لا تزال تحتفظ بخلايا نائمة وبمجموعات صغيرة هي بالفعل تمثل تهديدا خطيرا. لكن هذا التنظيم حقق أهدافا إستراتيجية تلاقت عليها كثير من الأطراف، هو استطاع القضاء على الثورة السورية وتحويلها إلى صراع مسلح وإلى حرب دولية ضد الإرهاب وبالفعل انتهت الثورة قبل أن ينتهي التنظيم، كذلك حقق لإيران أهدافا لطالما حلمت بها فقد مكنها من زرع مليشيات في كل من سوريا والعراق بحجة محاربة الإرهاب وهذه المليشيات هي يد إيران الضاربة في كلتا الدولتين. بالنسبة للنظام السوري فقد تراجعت الثورة واضمحلت بسبب ضبابية المشهد الذي أوجده داعش والنصرة والآن النظام يحكم سيطرته على معظم البلاد والمعارضة السورية بشقيها السياسي والعسكري تنتظر رصاصة الرحمة. أما روسيا فقد اعتمدت على الحرب ضد الإرهاب لإقناع المجتمع الدولي بضرورة بقاء الأسد وهذا ما نجحت به فعلا ولم يعد أي طرف يدعو إلى رحيل الأسد. تركيا استطاعت عبر الحرب ضد الإرهاب القضاء على أي كيان كردي ومد نفوذها داخل الأراضي السورية والحصول على حصتها من الكعكة. الخاسر الوحيد كان الشعب في كل من سوريا والعراق والذي دفع الثمن مرتين الأولى عندما تعرض لتطرف التنظيم وإرهابه وقسوته وعنفه، والثانية عندما دفع ثمن الحرب ضد الإرهاب عندما تدمرت المدن والقرى كخسائر جانبية للحرب حتى وإن كانت تكلفتها باهظة من دماء ودموع هذا الشعب المكلوم.
حالة السيولة التي تعيشها المنطقة وعدم إيجاد حلول حقيقية للأزمات والاعتماد على الحل الأمني والعسكري دون سواه، كل ذلك يجعل مقتل البغدادي نهاية صفحة وبداية أخرى ربما تكون أكثر عنفا، شاهدنا قبلا مقتل أسامة بن لادن ولم يتغير شيء ولا نعتقد أن مقتل البغدادي سوف يغير، إن لم يتم وضع إستراتيجية دولية متكاملة تبدأ أولا بحل الأزمات التي تمثل الأرض الخصبة لنشوء التطرف والإرهاب فلا نتوقع نهاية لظاهرة الإرهاب والتطرف.
* باحث في الفلسفة السياسية، خبير في قضايا الشرق الأوسط
ramialkhalife@